هامد إيدي لربنا

أحب الشاب حبيب فرج إخوته الفقراء فأراد أن يساعدهم، لكن إمكانياته المالية لا تكفي. فقد كان يعمل موظفًا بوزارة الأشغال والري وذلك في الثلاثينات من القرن العشرين، وكانت أسرته متيسرة ولكن من الصعب أن يجد عندها كل ما يحتاجه إخوته الفقراء.

كان يسكن في بيته مع والده وأسرته، وكان لهذا البيت أرض فضاء كفناء له، ففكر أن يبني بيتًا صغيرًا في هذا الفناء وينشئ فيه جمعية خيرية للعناية باحتياجات إخوة الرب. إستأذن والده الذي وافق على الفكرة، وبدأ يجمع التبرعات. وبمعونة الله بنى البيت الصغير وأنشأ الجمعية وبدأت خدمتها.

كان يهتم بجمع التبرعات بنفسه من كل معارفه، وكان يزور الفقراء في بيوتهم ويرتب لهم احتياجاتهم.

كانت تمر به أزمات مالية ولا يجد ما يكفي لسد احتياجات إخوته الفقراء، فكان يصلي ويتعب ويجد كثيرًا ويتوسل لكل أحبائه حتى يجد ما يكفي ولو قليلا من احتياجات إخوة الرب.

في أحد الأيام واجه ضيقة مالية شديدة، إذ كانت احتياجات إخوة الرب كثيرة وقد نفذت الأموال من الجمعية تمامًا، فاضطر إلى عمل فكرة غريبة، فرغم مركزه كموظف ومركز أسرته، ذهب واشترى ثوب من القماش بضمان وظيفته، ومر في شوارع شبرا ينادي ويبيع هذا القماش، حتى باعه كله وسدد ثمنه وما ربحه قدمه لإخوة الرب.

إستمر حبيب في محبته واهتمامه بإخوة الرب. وفي أحد الأيام سافر إلى إحدى البلاد المجاورة للقاهرة لخدمة الوعظ هناك، وفي الطريق، بعد أن أنهى خدمته، قابل فقيرًا في حالة عوز شديد فأعطاه كل ما في جيبه. ثم سار في طريقه إلى القطار ليعود إلى القاهرة ولكن لم يكن معه ما يشتري به تذكرة لركوب القطار، فصلى بإيمان وطلب من الله ألا يتركه، وركب القطار وبعد قليل وصل الكمسري وطلب منه أن يرى التذكرة التي معه، فقال له حبيب: “إنت عاوز تشوف التذكرة؟”

فرد الكمسري بغضب: “طبعًا يا أفندي … فين التذكرة؟”

ثم صلى حبيب ومد يده من شباك القطار إلى الله لينقذه، وهنا حدثت االأعجوبة إذ وجد تذكرة طائرة في الجو والتصقت بيده، فأمسك بها وأعطاها للكمسري الذي وقف مذهولاً أمام ما رأته عيناه، ولكن عندما فحص التذكرة وجدها سليمة تمامًا فردها إلى حبيب وهو في تعجب لا يستطيع التعبير عنه.

تدبيرك فاق العقول: الجزء الرابع.

تركت بركة لبناتي

حكى أبونا تادرس يعقوب هذه القصة عن المتنيح أبونا ميخائيل إبراهيم:

مع منتصف الليل إذ كنت مع أبينا ميخائيل إبراهيم وأبينا بيشوي كامل في منزل المتنيح القمص مرقس باسيليوس نعزيه في زوجته، وكان أغلب المعزين قد انصرفوا، سأل أبونا مرقس أبانا ميخائيل: “هل تظن أن الراقدين يشعرون بنا؟” وهو يقصد زوجته التي رحلت عنه.

روى لنا أبونا ميخائيل بعض القصص المعاصرة التي عايشها بنفسه، أذكر منها القصة التالية:

في قرية (…) انتقل جواهرجي بسيط له سبع بنات وكانت زوجته مرَّة النفس، لا تعرف كيف تدير شئون رجلها فكانت تبكي بلا انقطاع. بعد أيامٍ قليلة من الوفاة، إذ كانت في حجرتها بمفردها ودموعها تنهمر من عينيها رأت رجلها أمامها يسألها: “لماذا تبكين؟” أجابت الزوجة: “كيف لا أبكي وقد تركتني وحدي، ومعي سبع بنات، من يهتم بهن؟ وكيف أقوم بتزويجهن؟”

قال لها الزوج: “لا تخافي، افتحي درج الدولاب فتجدين خلفه درجًا مسحورًا خفيًّا، تركت فيه بركة لبناتي للإنفاق على زواجهن”. إختفي الزوج ولم تصدق الزوجة نفسها إذ ظنت ذلك نوعًا من الخيالات، لكنها ذهبت إلى الدولاب وفتحت الدرج فوجدت الدرج السري وبداخله “صُرَّة”. نادت السيدة بنتها الكبرى، وقالت لها: “إذهبي إلى عمِّك واسأليه أن يحضر فورًا”.

جاء العم في الحال يستوضح الأمر. أخبرته السيدة بما حدث، ثم قدمت له “الصُرَّة” وهي تقول له: “هذه هي (الصُرَّة)… لم أرد أن أفتحها حتى تأتي، لأنه حسب القانون المصري لك نصيب في هذا الميراث، لأن ليس لي بنين ذكور! إفتحها أنت وخذ نصيبك!”

بدأت الدموع تتساقط من عيني الرجل وهو يقول لأرملة أخيه: “كيف أمد يدي على البركة التي تركها أخي لبناته؟ إني أساهم في الإنفاق على بنات أخي ولا أغتصب شيئًا من البركة التي تركها والدهن  لهن!”

حاولت السيدة بكل طاقاتها أن تدفع بالصُرة في يديْ الرجل، وتحت الإلحاح فتحها فوجد بها بعض الحُليّ الذهبية. إتفق الإثنان أن يستخدم العم الذهب لحساب بنات أخيه، وبالفعل انفق عليهن حتى تزوج الكل!

هذه القصة رواها لنا أبونا ميخائيل إبراهيم الذي عاصرها وكان يعرف أشخاصها، وهي تكشف عن حب الراقدين لنا، كما تكشف عن أمانة الأرملة للخضوع للقانون وعدم الهروب منه تحت أي عذر!

  • وأنا لست وحدي!

كثيرًا ما أعاني من الشعور بالعزلة! أظن إني وحدي، ليس من يشعر بي، ولا من يشاركني آلامي!

لست أدري، حتى الذين سبقوني يحبونني! يصلون عني ويهتمون بي!

وأنا أيضًا أحب، وسأُحب! لن يستطيع الموت أن ينزع حبي عن اخوتي! أحبهم حتى مع لقائي مع سيدي أحبهم! أنا لست وحدي حتى إن دخلت في القبر!!

قصة واقعية من كتاب: “قصص قصيرة للفتيان”.

اية للحفظ

“لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهبًا لكل عمل صالح” (2تي3: 17)